[المقال نشر على موقع جدلية باللغة الإنجليزية وترجمه إلى العربية يوسف حداد]
من السهل مشاهدة صور لنساء عاريات أينما نظرنا من حولنا. فصورهن موجودة في كل مكان على مواقع الإنترنت وفي المعارض الفنية وعلى شاشات التلفزة وفي الأفلام السينمائية طبعاً. أما صور النساء ”شبه العاريات“ فهي الأكثر رواجاً. إذ نراها تنتشر على لوحات الإعلانات، في الأغاني المصورة، وفي الدعايات التلفزيونية، حيث تدعونا بجسدها وبنظرات "الإغراء" لشراء المزيد والمزيد. إن صور المرأة العارية و "شبه العارية" تنتشر في شتى البلدان، ومن ضمنها العالم العربي، وهي مصممة للإستهلاك.
إلا أن الأمر يصبح مستهجناً عندما يتعلق بطالبة جامعية في الثانية والعشرين من عمرها تتعرى أمام عدسة الكاميرا وتلتقط صورة لنفسها وهي تحدق بها. ولم يصل الأمر إلى حد الإستهجان فقط بل إلى دفع البعض لتهديدها بالقتل. نشرت علياء المهدي صورتها في مدونتها الخاصة فهاجمها المحافظون والليبراليون على حد سواء بسبب "لا أخلاقيتها". وفيما هاجمها الإسلاميون وأحزاب سياسية واجتماعية أخرى إلى حد وصفها بالشيطان، تبرأ منها اليساريون الليبراليون علانية وقالوا إنهم لا يقبلون بالملحدين في حركتهم. وراء الكواليس أعرب الكثير من النشطاء المصريين، وخاصة اولئك الذين ينتمون إلى أقصى حركات اليسار المصري، عن استيائهم من نشر علياء لصورها العارية ورأوا أنها ارتكبت "جريمة" استراتيجية بحق الحركة النسائية، بل ذهبوا إلى القول بأن هذا التصرف قد يؤدي إلى خسارة الحركة النسائية لمكتسباتها القانونية ويعيدها إلى الوراء لسنوات إن لم يكن لعقود. وإن كان هذا الادعاء يحمل شيئاً من الصحة، فإن ما جعل صورة علياء في غاية الخطورة لم يكن تهديدها للنسيج الأخلاقي لمجتمع ذي غالبية مسلمة وحسب، بل لتحديها المنظومة التي تجعل من جسد المرأة مساحة للهيمنة السياسية والإستهلاك الرأسمالي.
من الخطأ الظن بأن جسد المرأة مقدس و"محمي" من الجنسانية في مصر. وبعكس ما يقوله شاتمو علياء وعدد وافر من المعلقين على صورها في العالم العربي، فإن جسد المرأة كان وما زال ساحة صراع، واستجواب، ومضايقة، وتشييئ في سائر المنطقة. القاهرة، باتت تشتهر بانها عاصمة "المعاكسة"، والتحرش الجنسي، والتحسس في العالم العربي، حيث باتت أي امرأة، حتى وإن كانت محجبة، غير قادرة على السير بين الحشود في شارع أو ركوب باص النقل العام دون أن تتوقع، وبالتالي أن تحمي نفسها، من التحرشات الجنسية.
خلال الأشهر الماضية تعرضت نسوة كنَ يشاركنَ في تظاهرات ميدان التحرير ل"فحوص عذرية" من قبل عناصر الجيش، الذين اجروه وفقاً للأساليب التقليدية، أي إيلاج أصبعين (لجنود رجال) داخل فرج المرأة. وبهذا تكون النساء قد تعرضن للإغتصاب وذلك لمعرفة ما إذا كن قد مارسن الجنس برغبتهن. لكن ما يكمن وراء هذا الفحص ليس الحرص على عذرية المتظاهرة، إنما الإذلال والتهديد وفرض السيطرة على الجسد. ومن خلال هذا "الفحص"، تمارس السلطة سيطرتها على جسد العامة ومفهوم "الأخلاق العامة". الهدف بالتالي هو الإرهاب، والإرهاب يسعى دوماً لزرع الخوف في النفوس (سعياً لأن يمارس الفرد رقابة ذاتية) داخل مجتمع مدني. واستخدام الجنس كأداة للإرهاب ليس بالجديد، فقد استعمل في سجن ابو غريب، وفي معتقل غوانتنامو، وفي عراق صدام حسين، وفي ليبيا، وفي جمهورية الكونغو الديموقراطية، وفي ظل الاحتلال الأميركي لأفغانستان. حين يتعلق الأمر بالنساء والرجال غير الذكوريين يصبح العنف الجسدي أمراً شائعاً ليس فقط في زنزانات رجال الشرطة في العالم العربي، بل أيضاً في المعتقلات حول العالم. هذا النوع من العنف غالبا ً ما يقع في أماكن عامة لأن الهدف من ورائه التأكيد بأن بإمكان السلطة المحلية او الخارجية انتهاك جسد المواطنين دون حسيب او رقيب.
لكن جسد المرأة ليس فقط ساحة للهيمنة السياسية ولضبط قواعد المنظومة الأخلاقية الأبوية، فهو أيضاً محرك أساسي لجني الأموال. استعراض الصور المرئية المتناثرة عموديا وافقيا في القاهرة يثير دهشة زوار المدينة. في القاهرة وبيروت (الأخت الصغرى التي تعاني من عقدة الدونية) يعرض جسد المرأة بجنسانية في العلن وفي كل مكان، وفي مراحل مختلفة من التعري والتأوه، في إعلانات الأفلام والدعايات ولترويج نجمات الغناء.
[ملصق لنجمة غناء في القاهرة - ملصقان إعلانيان للثياب الداخلية النسائية في لبنان]
الهدف من هذه الصور هو إثارة شهوة المشاهد. بعبارة أخرى، تسعى هذه الصور لدفع المشاهد/المستهلك إلى التفكير بالجنس أو ما معنى أن يكون المرء "مثيراً". هذا التوجه يضحي أكثر إفراطاً في الأغاني المصورة حيث ترقص نساء "شبه عاريات" بإغراء و لسبب ما غالباً ما يلعبن بالماء، أشبه بتعذيب "مثير" بالماء.
الأغاني الثلاث المصورة أدناه، تجسد واقع الفيديو كليب الذي لم يعد من الواضح فيه ما الذي يتم تسويقه: الجسد أو الموسيقى. في أغنيتين منهما، نرى مطربين غير مصريين يغنيان باللهجة المصرية، ما يشير إلى أن نجاح أو فشل الأغنية تحدده السوق المصرية، الأكبر في العالم العربي.
[المطربة ماريا تعلمنا كيفية "لعق" أشياء مختلفة و"إيلاجها" في الفم. وبعد "الدرس" تتمدد عارية في حوض من الحليب حيث يُرمى عليها حبوب بالحليب لنتذكر، في حال نسينا، أنها هنا جاهزة للإستهلاك]
[هيفاء وهبي تشارك في استعراض تعري]
[جو أشقر الذي يبدو دائماً في حالة من "الجيشان" "مهايبر" ، أو أقرب إلى "الهيجان". وفي الفيديو كليب هناك تلميح للمثلية والجنس الجماعي. والكل يصبح مبللاً]
قبل أن نكيل الذم أو المديح على تعري علياء أمام الكاميرا ونشر صورها، علينا فهم الإطار الذي عللت فيه قرارها. فجسد المرأة العاري ليس بالمشهد الجديد ومن المؤكد بأن الناس في مصر يتحدثون عن الجنس. في الواقع، أضحى الجنس محط قلق شعبي واهتمام حكومي. وهذا ليس بالمفاجئ سيما وأنه في زمن الانتفاضات الشعبية الكبرى، قلق العامة من التغييرات السياسية يترجم صراعاً حول الجنس والعلاقة بين الجنسين. لكن ما يثير الدهشة هو أن قرار إمرأة راشدة بنشر صورها عارية أثار جدلاً بين الأطراف السياسية كافة يفوق الجدل الذي أثاره قيام جنود مصريين بإجراء "فحص عذرية" للمتظاهرات. عندها لا يغدو الغضب العارم الذي أثارته صورة علياء التى تسعى للتحدي وليس الإثارة مفاجئاً.لم يعترِ الناس أي غضب عندما شاهدوا ملصقاً لفيلم تظهر فيه إمرأة عارية تسعى للفرار من رجل يبدو وكأنه يحاول إغتصابها.
[صورة لعلياء في حوض الإستحمام - ملصق إعلاني لفيلم في القاهرة ]
كتبت علياء هذا التعليق على مدونتها تحت صورتها "الشائنة":
"حاكموا الموديلز العراة الذين عملوا في كلية الفنون الجميلة حتى أوائل السبعينات واخفوا كتب الفن وكسروا التماثيل العارية الأثرية، ثم اخلعوا ملابسكم و انظروا إلى أنفسكم في المرآة واحرقوا أجسادكم التي تحتقروها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية إلى الأبد قبل أن توجهوا لي إهاناتكم العنصرية أو تنكروا حريتي في التعبير"
صورة علياء لا تتقيد بشروط اللعبة، ولذا أدانها الليبراليون والاسلاميون على حد سواء. فهي لا تنتظر "التوقيت المناسب" لطرح مسألة الحقوق الجنسية والجسدية في مصر ما بعد مبارك، ولا تخاتل منظومة السلطة الأبوية في مصر. بكل بساطة إنها لا تنتظر دورها. فمها ليس مشدقاً وثدياها ليسا كبيرين. أما عينيها فليستا بخائفتين أو جائعتين. ولا ترتدي الكعب العالي. فرجها مكشوف للعيان، لكنها لا تسعى لبيعنا سلعة او لإثارتنا. إستخدامها للجوارب المثيرة يبدو وكأنه اشارة لصورة الإغراء النمطية. تعريها لا يتعلق بالجنس نفسه بل يسعى لمحاكاة السياسة والجنس والطرق الملتوية التي تتم من خلالها صياغة العلاقة بين الجنسين ورأس المال والسيطرة. هي تحدق بنا وتتحدانا بان لا نشيح النظر عن عينيها. تتحدانا أن نخوض غمار هذا الجدال الصعب.